سورة المائدة - تفسير أيسر التفاسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)}
{يَا أَيُّهَا} {آمَنُواْ} {الأنعام}
(1)- يَا أيُّها الذِينَ آمَنُوا التَزِمُوا الوَفَاءَ بِجَميعِ العُهُودِ التِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللهِ، وَالعُهُودِ المَشْرُوعَةِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ، (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ المُرَادَ بِالعُقُودِ فِي هَذِهِ الآيَةِ هِيَ عُهُودُ اللهِ التِي عَهِدَ بِهَا إلى عِبَادِهِ، أَيْ مَا أَحَلَّ وَمَا حَرَّمَ، وَمَا فَرَضَ وَمَا حَدَّ فِي القُرْآنِ كُلِّهِ فَلا عُذْرَ وَلا نَكْثَ).
فَاللهُ تَعَالَى يَأْمُرُ فِي هَذِهِ الآيَةِ المُؤْمِنِينَ بِالوَفَاءِ بِمَا عَقَدُوهُ، وَارْتَبَطُوا بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى، مَا لَمْ يَكُنْ يُحَرِّمُ حَلالا، أَوْ يُحَلِّلُ حَرَاماً: كَالعَقْدِ عَلَى الرِّبا، أَوْ أَكَلِ مَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ (كَالرَّشْوَةِ وَالقِمَارِ).
ثُمَّ فَصَّلَ اللهُ تَعَالَى الأَحْكَامَ التِي أَمَرَ بِهَا فَقَالَ: إنَّهُ أحَلَّ لِلنَّاسِ أكْلَ البَهِيمَةِ مِنَ الأنْعَامِ (وَهِيَ البَقَرُ وَالإِبْلُ وَالمَاعِزُ وَالغَنَمُ وَألحِقَبِهَا الظِّبَاءُ وَبَقَرُ الوَحْشِ وَنَحْوُهَا)، إلاّ مَا سَيُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنْ تَحْرِيمِ بَعْضِهَا فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، كَقَولِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير} وَعَلَى أنْ لا يُحِلُّوا صَيْدَ الحَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ، حِينَمَا يَكُونُوا مُحْرِمِينَ لِحَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ.
وَاللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي خَلقِهِ بِمَا يَشَاءُ مِنْ تَحْلِيل وَتَحْرِيمٍ، بِحَسَبِ الحِكمِ وَالمَصَالِحِ التِي يَعْلَمُهَا.
العُقُودُ- كُلُّ مَا تَعَاقَدَ عَلَيهِ المَرْءُ وَالتَزَمَ فِيهِ بُمُوجِبٍ نَحْوَ اللهِ وَنَحْوَ النَّاسِ.
وَأنْتُمْ حُرمٌ- وَأنْتُمْ فِي حَالَةِ الإِحْرَامِ.
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ- غَيْرَ مُسْتَحِلَّهِ فَهُوَ حَرَامٌ.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}
{يَا أَيُّهَا} {آمَنُواْ} {شَعَآئِرَ} {القلائد} {آمِّينَ} {وَرِضْوَاناً} {شَنَآنُ} {العدوان}
(2)- يَا أيُّها الذِينَ آمَنُوا لا تَسْتَبِيحْوا حُرْمَةَ شَعَائِرِ اللهِ بِأنْ تَجْعَلُوا شَعَائِرَ دِينِ اللهِ حَلالاً لَكُمْ تَتَصَرَّفُونَ فِيهَا كَيْفَ تَشَاؤُونَ، بَلِ اعْمَلُوا بِمَا بَيَّنَهُ لَكُمْ رَبُّكُمْ، وَلا تَتَهَاوَنُوا بِحُرْمَتِها، وَلا تَحُولُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ المُتَنَسِّكِينَ بَهَا، فَتَصُدُّوا النَّاسَ عِنِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ.
ولا تُحِلُّوا القِتَالَ فِي الأشْهُرِ الحُرُمِ. (وَهِيَ ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ)، وَلا تَمْنَعُوا الهَدْيَ (وَهُوَ مضا يُهْدَى إلى الحَرَمِ مِنَ الأنْعَامِ ليُذْبَحَ فِيهِ تَقَرُّباً إلى اللهِ) وَذَلِكَ بِأخْذِهِ غَصْباً وَسَرِقَةً.
وَلا تُحِلُّوا أخْذَ المُقَلِّدِ مِنَ الهَدْي (وَكَانُوا يُقَلِّدُونَ الأنْعَامَ التي تُوَجَّهُ إلَى البَيْتِ هَدْياً بِوَضْعِ قِلادَةٍ فِي أعْنَاقِهَا لِكَيْلا يَتَعَرَّضَ لَهَا أحَدٌ بِسُوءٍ).
وَلا تُحِلُّوا قِتَالَ قَاصِدي البَيْتِ الحَرَامِ لِزِيارتِهِ فَتَصُدُّوهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأيِّ وَجْهٍ كَانَ.
وَلا تُصُدُّوا مَنْ قَصَدَ البَيْتَ الحَرَامَ لِلتِّجَارَةِ أوْ لِلنُّسْكِ وَالرَّغْبَةِ بِالفَوْزِ بِرِضْوَانِ اللهِ (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً).
وَإذَا فَرَغْتُمْ مِنْ إحْرَامِكُمْ بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ، أَوْ خَرَجْتُمْ مِنْ أَرْضِ الحَرَمِ فَاصْطَادُوا إذَا شِئْتُمْ. وَلا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضَ قَوْمٍ وَعَدَاوَتُهُمْ، (وَهُمُ الذِينَ صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ) عَلَى أَنْ تَعْتَدُوا، وَتَتَجَاوَزُوا أَمْرَ اللهِ فِيهِمْ، فَتَقْتَصُّوا مِنْهُمْ ظُلْماً وَعُدْواناً، بَلْ احْكُمُوا بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ اللهُ مِنَ العَدْلِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ.
وَرُويَ أنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي الحُدَيْبِيةِ مَعَ أصْحَابِهِ، وَقَدِ اشْتَدَّ عَلَى المُسْلِمِينَ صَدُّ المُشْرِكِينَ لَهُمْ عَنْ بُلوغِ البَيْتِ، فَمَرَّ بِهِمْ أنَاسٌ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أهْلِ المَشْرِقِ، يُرِيدُونَ العُمْرَةَ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ نَصُدُّ هؤُلاءِ كَمَا صَدَّنَا أصْحَابُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ. وَفِيهَا يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ بِالتَّقْوَى، وَبِالتَّعَاوُنش عَلَى فِعْلِ الخَيْرَاتِ (وَهُوَ البِرُّ)، وَعَلَى تَرْكِ المَعَاصِي والمُنْكَراتِ (وَهُوَ التَّقْوَى)، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التَّنَاصُرِ عَلَى البَاطِلِ، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى المَآثِمِ وَالمَحَارِمِ، وَيُحَذِّرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ مِنْ بَطْشِهِ وَعِقَابِهِ، لأنَّهُ تَعَالَى شَدِيدُ العِقَابِ لِمَنْ عَصَاهُ وَتَعَدَّى حُدُودَهُ.
شَعَائِرَ اللهِ- جَمْعُ شَعِيرَةٍ، مَا شَرَعَ اللهُ وَأمَرَ بِهِ.
الهَدْيَ- مَا يُهدَى مِنَ الأنْعَامِ لِلحَرَمِ لِيُذْبَحَ عِنْدَهُ تَقَرُّباً للهِ.
القَلائِدَ- مَا قُلِّدَ مِنَ الأَنْعَامِ التِي تُوَجَّهُ إلَى الحَرَمِ هَدْياً بِطَوْقِ ليُعْرَفَ أنَّهُ مُوَجَّهٌ إلى الكَعْبَةِ فَلا يَتَعَرَّضُ لَهُ أحَدٌ بِسُوءٍ.
الشَّنآنُ- البُغْضُ وَالكَرَاهِيَةُ.
صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ- مَنَعُوكُمْ عَنِ الوُصُولِ إليهِ.
لا تُحِلُّوا- لا تَنْتَهِكُوا حُرْمَتَهُ.
لا يَجْرِمُنَّكُمْ- لا يَحْمِلَنَّكُمْ.


{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)}
{بالأزلام} {يَئِسَ} {الإسلام}
(3)- يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةش مَا حَرَّمَ أكْلَهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ لَحْمِ الأنْعَامِ وَهِيَ:
المَيْتَةُ- وَهِيَ التِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَلا اصْطِيَادٍ وَذَلِكَ لِمَ فِيهَا مِنَ المَضَرَّةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنَ المَيْتَةِ السَّمَكُ، فَإنَّهُ حَلالٌ سَوَاءٌ مَاتَ بتَذْكِيَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا.
وَالدَّمُ المَسْفُوحُ- وَهُوَ الدَّمُ الذِي يَسِيلُ مِنَ الحَيَوَانَاتِ.
وَكَانَ الأَعْرَابُ فِي البَادِيَةِ إذا جَاعُوا فِي الصَّحْرَاءِ يَأخُذُونَ شَيْئاً مُحَدَّداً مِنْ عَظْمٍ أوْ نَحْوِهِ فَيَفْصِدُونَ بِهِ حَيَواناً فَيَجْمَعُونَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ دَمٍ فَيَشْرَبُونَهُ، فَحَرَّمَ اللهُ ذَلِكَ.
وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: أحِلَّتْ لَنَا مِيتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأمَّا المِيتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالجَرَادُ، وَأمَّا الدَّمَانِ فَالكَبِدُ وَالطِّحَالُ. (رَوَاهُ أحْمَدُ وَالبَيْهَقِيُّ).
لَحْمُ الخِنْزِيرِ- إنْسِيَّهِ وَوَحْشِيِّهِ. فَلَحْمُهُ حَرَامٌ.
مَا أهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ- أيْ مَا ذُبِحَ فَذُكِرَ اسْمٌ غَيْرُ اسْمِ اللهِ عِنْدَ ذَبْحِهِ. لأنَّ اللهَ تَعَالَى أوْجَبَ أنْ تُذْبَحَ الأنْعَامُ عَلَى اسْمِهِ العَظِيمِ.
وَالإِهْلالُ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَالإِهْلالُ هُنَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِذِكْرِ اسْمٍ غَيْرِ اسْمِ اللهِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ.
وَالمَوْقُوذَةُ- وَهِيَ التِي تَضرَبُ بِشَيءٍ ثَقيلٍ غَيْرِ مُحَدَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ.
وَالمُتَرَدِّيَةُ- وَهِيَ التِي تَقَعُ مِنْ مَكَانِ مُرْتَفِعٍ، أوْ تَقَعُ فِي بِئْرٍ فَتَمُوتُ فَلا يَحِلُّ أكْلُ لَحْمِهَا.
وَالنَّطِيحَةُ- وَهِيَ التِي مَاتَتْ بِسَبَبِ نَطْحِ غَيْرِهَا لَهَا، فَهِيَ حَرَامٌ وَلَوُ خَرَجَ مِنَهَا الدَّمُ، وَلَوْ مِنْ مَذْبَحِهَا.
وَمَا أكَلَ السَّبُعُ- وَهِيَ مَا عَدَتْ عَلَيهَا الحَيَوَانَاتُ الجَارِحَةُ فَقَتَلَتْها فَلا تَحِلُّ بِالإِجْمَاعِ.
وَاسْتَثْنَى اللهُ تَعَالَى مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ الحَيَوَانُ الذِي لَحِقَهُ الإِنْسَانُ بِالذَّبْحِ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَإنَّهُ إذَا ذُبِحَ أَصْبَحَ حَلالاً يَجُوزُ أَكْلُهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ- مُحَرَّمٌ أَكْلُهُ.
وَالنُّصُبُ هِيَ حِجَارَةٌ حَوْلَ الكَعْبَةِ، كَانَتِ العَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا تَذْبَحُ عِنْدَهَا الذَّبَائِحَ، وَيُنْضَحُ مَا أَقْبلَ مِنْها إلَى البَيْتَ بِدِمَاءِ تِلْكَ الذَّبَائِحِ، وَيُشَرِّحُونَ اللحْمَ وَيَضَعُونَهُ عَلَى النُّصُبِ فَحَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُؤْمِنِينَ أَكْلَ الذَّبَائِحِ التِي تَمَّ ذَبْحُها عِنْدَ تِلْكَ النُّصُبِ. فَالذَّبْحُ عِنْدَ النُّصُبِ مِنْ الشِّرْكِ.
ثُمَّ أضَافَ اللهُ تَعَالَى إلَى مُحَرَّمَاتِ الطَّعَامِ التِي كَانَ أهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَسْتَحِلُّونَهَا، عَمَلاً آخَرَ مِنْ أعْمَالِهِمْ وَهُوَ الاسْتِقْسَامُ بِالأَزْلامِ.
وَالأَزْلامُ وَاحِدُهَا (زَلَمٌ)، هِيَ عِبَارَةَ عَنْ قِدَاحٍ (سِهَامٍ) ثَلاثَةٍ أحَدُهَا مُكْتُوبٌ عَلَيْهِ: (افْعَلْ) وَثَانِيهَا مَكْتُوبٌ عَلَيهِ. (لا تَفْعَلْ). وثَالِثُهَا لَمْ يُكْتَبُ عَلَيهِ شَيءٌ. فَإِذا أجَالَهَا فَطَلَعَ السَّهْمُ المَكْتُوبُ عَلَيْهِ (لا تَفْعَلْ)، لَمْ يَفْعَلْ. وَإِذَا خَرَجَ السَّهْمُ المَكْتُوبُ عَلَيْهِ (افْعَلْ) فَعَلَ. وَإذَا خَرَجَ السَّهْمُ الغُفْلُ مِنَ الكِتَابَةِ أعَادَ. فَحَرَّمَ اللهُ الاسْتِقْسَامَ بِالأزْلامِ، وَعَدَّهُ فِسْقاً، وخُرُوجاً عَنَ طَاعَةِ اللهِ.
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ المُؤْمِنِينَ إذَا تَرَدَّدُوا فِي أمْرِهِمْ أنْ يَسْتَخِيرُوهُ بِأَنْ يَعْبُدُوهُ، ثُمَّ يَسْأَلُوهُ الخِيَرَةَ فِي الأَمْرِ الذِي يُرِيدُونَ.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنينَ: اليَوْمَ يَئِسَ الكُفَّارُ مِنَ القَضَاءِ عَلَى دِينِ اللهِ، وَمِنْ رُجُوعٍ المُؤْمِنِينَ عَنْ دِينِهِمْ، لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيكُمْ، إذْ وَفى بِوَعْدِهِ، وَأظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، فَلا تَخُافُوهُمْ فِي مُخَالَفَتِكُمْ إيَّاهُمْ، وَاخشوني أنا، فَأنَا أنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ، وَأجْعَلُكُمْ فَوْقَهُمْ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ.
ثُمَّ يَقُولُ مُخَاطِباً المُؤْمِنِينَ: إنَّهُ أكْمَلَ لَهُمُ اليَوْمَ دِينَهُمُ الإِسْلامَ، فَلا يَحْتَاجُونَ إلى دِينٍ غَيْرِهِ، وَلا إلى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِمْ. وَلَمَّا أَكْمَلَ اللهُ لَهُمْ دِينَهُمْ تَمَّتْ عَلَيهِمْ نِعْمَةُ رَبِّهِمْ، فَلْيَرْضَوْا بِالإِسْلامِ دِيناً لَهُمْ، فَإنَّهُ الدِّينُ الذِي أحَبَّهُ اللهُ وَرَضِيَهُ لَهُمْ. فَمَنِ اضْطُرَّ إلى تَنَاوُلِ شَيءٍ مِمّا حَرَّمَ اللهُ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ، لِضَرُورَةٍ ألْجَأتْهُ إلى ذَلِكَ، فَلا بَأْسَ فِي ذَلِكَ، وَلَهُ تَنَاوُلُهُ فِي حُدُودِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الضَّرُورَةَ، واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، لأنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ حَاجَةَ العَبْدِ المُضْطَرِّ، وَافْتِقَارِهِ إلَى ذَلِكَ فَيَتَجَاوَزُ عَنْهُ، وَيَغْفِرُ لَهُ. بِشَرْطِ ألا يَكُونَ تَنَاوُلُهُ المُحَرَّمَ مَيْلاً مِنْهُ إلى مَعْصِيَةِ اللهِ، وَرَغْبَةً في الاعْتِدَاءِ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ (غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ).
وَفِي الحَدِيثِ: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أنْ تُؤْتَى مَعْصِيتُهُ».
وَرُوِيَ أَيْضاً: «إنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلُ رُخْصَةَ اللهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ جِبَالِ عَرَفَةَ». رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
المَخْمَصَةُ- حَالَةُ الجُوعِ الشَّدِيدِ.
غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ- غَيْرَ رَاغِبٍ فِي ارْتِكَابِ إِثْمٍ.
الأَزْلامُ- سِهَامٌ ثَلاثَةٌ يَسْتَعْمِلُونَها فِي الاسْتِسْقَامِ، وَالاقْتِرَاعِ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8